إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.
شفاء العليل شرح منار السبيل
200027 مشاهدة
الاستنجاء بالحجر ونحوه ثم بالماء

قوله: [ ويسن الاستنجاء بالحجر ونحوه ثم بالماء ] لقول عائشة -رضي الله عنها- مرن أزواجكن أن يتبعوا الحجارة بالماء من أثر الغائط والبول، فإني أستحييهم، وإن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يفعله صححه الترمذي
[فإن عكسن كره ] نص عليه، لأن الحجر بعد الماء يقذر المحل.
[ويجزئ أحدهما] أي الحجر أو الماء، لحديث أنس كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي أداوة من ماء، وعنزة، فيستنجي بالماء متفق عليه . وحديث عائشة مرفوعا:
إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه رواه أحمد وأبو داود .
[والماء أفضل] لأنه أبلغ في التنظيف ويطهر المحل. وروى أبو داود من حديث أبي هريرة مرفوعا: نزلت هذه الآية في أهل قباء فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا قال: كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية .


الشرح: ورد عند البزار في رواية أنهم كانوا يتبعون الحجارة الماء، لكن هذا الحديث قيل بأنه لا أصل له بهذا اللفظ، أما الحديث الصحيح فهو بغير هذا اللفظ، يعني ليس فيه الجمع بين الماء والحجارة، وإنما فيه الاستنجاء بالماء، وهو حديث صحيح أخرجه الترمذي و النسائي و البيهقي من طريق قتادة عن معاذة بلفظ: أن يغسلوا بدل أن يتبعوا الحجارة بالماء .
فالرواية الصحيحة فيها الاقتصار على الماء وليس فيها ذكر الحجارة.
وقد ورد في الجمع بين الحجارة والماء حديث في مسند البزار ولكنه ضعيف، وهو في قصة أهل قباء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سألهم عن سبب مدح الله لهم في قوله: فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا فقالوا: إنا نتبع الحجارة بالماء هكذا ذكره صاحب بلوغ المرام ولكن إسناده لا يصح.
وقد روى ابن أبي شيبة أثرا عن علي -رضي الله عنه- أنه أمر أهل زمانه بهذا، وقال لهم: إن من كان قبلكم كانوا يبعرون بعرا، وإنكم تثلطون ثلطا! فأتبعوا الحجارة بالماء . وذلك لأن أهل زمانه كثرت عليهم النعم فكان من آثار ذلك أن المسح لا يطهرهم، فيحتاجون إلى الغسل، فتكون الحجارة مزيلة للجرم، والماء مزيلا لأثر النجاسة، وبلتها، ورطوبتها التي تلتصق بالمحل.
ففي هذه المسألة هذان الحديثان السابقان، وهما ضعيفان، وفيها هذا الأثر الصحيح عن علي -رضي الله عنه-.
وعكس هذه أن يبدأ الإنسان بالماء فيغسل الفرج، ثم بعد ذلك يمسح بالحجر، وهذا لا حاجة إليه، لأن الحجر لا يزيد النظافة، بل قد يزيد المحل قذرا ووسخا.
أما الاقتصار على الماء فدليله حديث أنس - السابق- حيث لم يذكر فيه إلا الماء، وقال: كان -صلى الله عليه وسلم- يدخل الخلاء، فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء، وعنزة، فيستنجي بالماء فلم يذكر الاستجمار في هذا الحديث، فدل هذا على أنه يكتفى بالماء.
والعنزه هي العصا التي في رأسها حديدة، وقيل عن سبب حمله لها: أنه يحفر بها الأرض إذا كانت صلبة حتى لا يأتيه رشاش البول من الأرض الصلبة، وقيل: بأنه كان يركز العنزة وينشر عليها ثوبا ليستتر له عن أعين الناظرين.
وقيل: بل ليحفر بها الأرض أممي يحصل على حجارة يستجمر بها .
وكما يكفي الماء فإن الاستجمار يكفي وحده- أيضا- لحديث عائشة الصريح: إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار، فإنها تجزيء عنه والاستطابة هي تطييب المحل بالمسح.
والاقتصار على الماء أفضل، والأفضل من ذلك الجمع بينهما للأثر السابق عن علي
أما إن خير بين الاقتصار على الحجارة أو الماء، فالاقتصار على الماء أفضل، لقوله تعالى في أهل قباء:
فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا فسمى فعلهم طهارة، ومدحهم بهذا، وقد علمنا أن طهارتهم هي الاستنجاء بالماء.